أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

خيارات محدودة:

مسارات العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق بعد العقوبات الأمريكية

06 سبتمبر، 2018


يفرض تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على إيران ضغوطًا محتملة على اقتصادات دول الجوار وعلى الأخص العراق. فعلى الأرجح، سوف تقوض هذه العقوبات التعاملات التجارية والاستثمارية بين الدولتين، وهو ما سوف يسبب أضرارًا واسعة لهما. ويبدو أن ذلك دفع الحكومة العراقية، مؤخرًا، إلى إجراء محادثات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحصول على إعفاءات لضمان استمرار علاقاتها التجارية مع إيران. لكن ثمة عقبات عديدة يمكن أن تخصم من قدرتها على تحقيق ذلك، بشكل سوف يفرض أمامها خيارات محدودة خلال المرحلة القادمة.

إجراءات متعددة:

بدأت الإدارة الأمريكية، في 7 أغسطس 2018، في تطبيق حزمة من العقوبات الاقتصادية على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي في مايو الماضي، وهو ما سوف يتسبب ليس فقط في تضييق الخناق على النشاط الاقتصادي لإيران، وإنما سيؤدي أيضًا إلى تقويض علاقاتها الاقتصادية مع العالم الخارجي، بما فيه دول الجوار.

وتضم الحزمة الأولى فرض حظر على الأفراد والكيانات الأمريكية في إجراء تعاملات مالية ونقدية بالدولار الأمريكي مع إيران، وكذلك بيع الريال الإيراني أو الاحتفاظ به في حسابات لدى البنوك الأمريكية، بجانب عقوبات على قطاع السيارات في إيران.

وسوف يتم رفع مستوى العقوبات على إيران عبر تطبيق حزمة أخرى في 4 نوفمبر القادم، تشمل تقييد عمل شركات الموانئ الإيرانية والشحن البحري وبناء السفن، بالإضافة إلى تقييد المعاملات المتعلقة بالنفط بما في ذلك شراء النفط والمنتجات النفطية أو المنتجات البتروكيماوية من إيران وغيرها من العقوبات.

إلى جانب ذلك، يحظر على الكيانات الأجنبية إجراء تعاملات مالية مع البنك المركزي الإيراني والمؤسسات المالية الإيرانية أو إبرام اتفاقات تجارية واستثمارية معها في بعض القطاعات الاقتصادية، لا سيما النفط والسيارات وغيرها، وما إن خالفت الكيانات ذلك، سوف توضع تحت طائلة العقوبات الأمريكية والتي قد تشمل الغرامات المالية أو تقييد وصولها للنظام المصرفي الأمريكي أو وقف تجارتها واستثماراتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار ما يسمى بـ"العقوبات الثانوية".

مواقف غامضة:

لم تتخذ العراق حتى الآن موقفًا حاسمًا حيال الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران التي بدأ سريانها في أغسطس الماضي، وهو ما يبدو جليًا في تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في 7 من الشهر ذاته، التي قال فيها أن حكومته لا تتعاطف مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لكنها ستلتزم بها لحماية مصالحها، ثم لم يلبث أن نفى لاحقًا اعتزام الحكومة إيقاف كافة مجالات التعاون الاقتصادي مع إيران، مشيرًا إلى نيته وقف التعامل بالدولار مع إيران فقط.

وقد كشف بعض المسئولين العراقيين عن صعوبة الالتزام بالعقوبات الأمريكية، على غرار الرئيس فؤاد معصوم، الذي صرح، في 6 أغسطس الفائت، بأن ظروف العراق وطبيعة علاقاته مع إيران تجعل من الصعب عليه الالتزام بتنفيذ العقوبات الأمريكية، ويتزامن ذلك مع رفض الميليشيات الموالية لإيران في العراق الالتزام بتلك العقوبات، مثل "حركة النجباء"، على نحو قد يدفعها، حسب اتجاهات عديدة، إلى تهديد المصالح الأمريكية في العراق، في حالة ما إذا وصل التوتر بين واشنطن وطهران إلى مرحلة غير مسبوقة.

وتدرك حكومة العبادي أن هناك مصالح سياسية واقتصادية واسعة تربطها بإيران قد تتضرر في حالة التزامها بالعقوبات الأمريكية بالكامل. ففضلاً عن الارتباطات الأيديولوجية والعسكرية والسياسية القوية بين الدولتين، فإن الأخيرة تعد شريكًا تجاريًا رئيسيًا للعراق، حيث توفر لها سلعًا حيوية كالغذاء والإلكترونيات والأدوية وغيرها بأسعار رخيصة. وفي المقابل تمثل العراق إحدى الأسواق الرئيسية للسلع الإيرانية وبحجم صادرات غير نفطية يصل إلى 5.5 مليار دولار سنويًا.

فضلاً عن ذلك، اعتمدت العراق، منذ فترة طويلة، على إيران في توفير جزء من احتياجاتها الكهربائية، حيث تقوم إيران بتزويد العراق بطاقة كهربائية بقدرة تبلغ 1000 ميجاوات عبر أربع خطوط كهربائية. كما توفر إيران لمحطات الكهرباء العراقية كميات من الغاز تصل إلى 25 مليون متر مكعب يوميًا عبر خط أنابيب "إيجات-6"، وقد تزيد إلى 50 مليون متر مكعب يوميًا بعد اتفاق الجانبين على ذلك.

وعلى جانب آخر، لا زالت الأراضي العراقية تمثل إحدى النقاط الرئيسية لتوفير الدولار للسوق الإيرانية، وذلك من خلال تحويل الأموال إلى إيران عبر شبكة من التجار والمهربين تنشط على المنافذ الحدودية الكثيرة بين العراق وإيران، والتي تتحكم فيها أحزاب وميليشيات شيعية منتشرة على حدود يتجاوز طولها ألف كيلومتر ويصعب السيطرة عليها.

سيناريوهات مفتوحة:

لكن بالتوازي مع ذلك، تدرك الحكومة العراقية أيضًا أن عدم التزامها بالعقوبات الأمريكية سوف يتسبب لها في أضرار اقتصادية أكبر من خسارتها علاقاتها الاقتصادية مع إيران، وهو ما يعكسه تأكيد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، في 15 أغسطس الفائت، على أن "منتهكي نظام العقوبات يمكن أن يخضعوا هم أنفسهم لها".

ويمكن تفسير ذلك في ضوء أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل سوقًا لصادرات عراقية بقيمة 10.7 مليار دولار سنويًا معظمها من النفط ومشتقاته. كما تنكشف الحكومة العراقية بالسوق الأمريكية بمبالغ مالية كبيرة قدرها 21.7 مليار دولار، هى حجم استثماراتها في سندات وأذون الخزانة الأمريكية في السنوات الماضية، وهو ما يعني أنه في حالة عدم التزام بغداد بالعقوبات، فإنها قد تخسر سوقًا بمليارات الدولارات وربما تُعرِّض استثماراتها بالسوق الأمريكية لمخاطر واسعة.

وعلى هذا النحو، يبدو أن الحكومة العراقية تواجه خيارين صعبين هما الالتزام بالعقوبات الأمريكية وفقدان الشراكة مع إيران، أو عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية وفقدان الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وربما يدفعها ذلك إلى محاولة تبني سياسة متوازنة، وهو ما بدأت مؤشراته في الظهور، حيث قام البنك المركزي العراقي بإخطار البنوك التجارية بحظر المعاملات بالدولار مع البنوك الإيرانية في إشارة أولية للاستجابة للعقوبات الأمريكية، لكنه في الوقت نفسه لم يوجه بوقف استخدام اليورو في التعاملات مع إيران.

إلى جانب ذلك، أشارت بعض الترجيحات إلى احتمال اتجاه الحكومة العراقية نحو إجراء مزيد من المحادثات مع وزارة الخزانة الأمريكية لإعفاء العراق من حظر التعاملات التجارية مع إيران، خاصة أنها قد تلوح بأنها لا تستطيع أن تمنع تدفق السلع على الحدود بين الدولتين، في ظل سيطرة الميليشيات المسلحة عليها.

خيارات صعبة تشير إلى أن بغداد تواجه في المرحلة الحالية أزمة سوف تؤثر، دون شك، على اتجاهات علاقاتها مع كل من واشنطن وطهران، لا سيما في ظل تصاعد حدة التوتر بينهما، بعد انسحاب الأولى من الاتفاق النووي، بالتوازي مع استمرار مشكلة التشكيلة الحكومية الجديدة التي لم تتفق عليها القوى السياسية الرئيسية بعد.